شبكة روح القانون

مرحبًا بك في موقع الشبكة الرسمي

الإعلان القضائي الإلكتروني



By  شبكة روح القانون     8:02 م    التسميات: 
تعمل أغلب الدول العربية ومنها السلطنة بالنظام القضائي المكتوب؛ أي يجب ان تكون إجراءات التقاضي وتقرير الحقوق للافراد عن طريق قوانين مكتوبة، ونادرا ما يتم اللجوء لقواعد العرف والعادات والاجتهاد القضائي، حيث أن الملاحظ تراجع دور العرف والاجتهادات في التنظيم القضائي أمام ما يُسمى بتقنين القواعد العرفية.

إن التشريعات والقوانين ينبغي أن تواكب المستجدات والأحداث الجديدة -زماناً ومكاناً-، فما يصلح تطبيقه في زمان أو مكان معين قد لا يصلح تطبيقه في زمان أو مكان آخر، ولهذا تحرص الدول على التجديد في القوانين والتشريعات؛ لتواكب الأحداث والمستجدات.

ومن جملة ما صدر عن المشرع العُماني من قوانين وتشريعات في السابق؛ صدور قانون الإجراءات المدنية والتجارية رقم (29/ 2002) الصادر بتاريخ 6/ مارس/ 2002م، والذي يُعنى بتنظيم كافة إجراءات التقاضي من بداية سير الدعوى وحتى الانتهاء من تنفيذ الحكم الصادر بتقرير حق معين للأفراد أو المؤسسات.

وحيث إن قانون الإجراءات المدنية والتجارية هو المعني بالجوانب ذات الصلة بإجراءات التقاضي، فسيقتصر هذا المقال على التنظيم القانوني للإعلانات القضائية لأطراف الدعوى حتى تنعقد الخصومة وكذلك لتبدأ إجراءات التنفيذ بعد صدور الحكم؛ أي حتى تبدأ المحكمة في نظر موضوع الدعوى (المطالبة القضائية للحقوق).

 إن الوضع الحالي يُلزم رافع الدعوى أن يحدد عنوان المدعى عليه من حيث مقر السكن إن كان فردًا أو مقر الجهة العامة أو الخاصة متى تمتعت بالشخصية الاعتبارية المستقلة، مع وجود بعض الاستثناءات القانونية على هذا الأصل العام، وهنا تكمن الصعوبة للأفراد والجهات في المطالبة بحقوقهم إذ أنهم لا يعلمون في الأغلب موطن المدعى عليهم.

فإما أن يتم رفض تسجيل الدعوى كأول مرحلة من مراحل التقاضي، أو أن يتم وضع عنوان غير دقيق لتسجيل الدعوى، ثم  تصل الدعوى في نهاية المطاف إلى  الإعلان عن طريق الصحف اليومية وفقا المادة  (11) من ذات القانون الذي يُعد اعلاناً صحيحاً، ثم تنظر الدعوى ويصدر فيها الحكم ويتم لاحقاً اللجؤ لنفس الطريقة للإعلان في جميع مراحل التقاضي ومنها مرحلة التنفيذ، مع الأخذ في الحسبان أن الصحف اليومية لم تعد تحظى بأي أهمية من حيث المتابعة بسبب تطور وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي.

في الجانب الاخر، سيضطر المدعى عليه لعدم علمه الفعلي بوجود دعوى قضائية إلى تنفيذ الحكم حتى يتجنب الإجراءات الماسة بحريته وحرية أملاكه، على الرغم من عدم تمكنه من الدفاع عن نفسه أمام القضاء، بل يعد الإعلان في الصحف المحلية من الناحية القانونية صحيح ولا يعتذر لاحقاً بعدم قراءة الصحف اليومية والعلم بوجود الدعوى المقامة.

هذه الإجراءات بدءًا من رفع الدعوى حتى الإعلان في الصحف اليومية تأخذ في أحسن الأحوال بين شهر الى شهرين وأحياناً (3) أشهر لكل مرحلة تقاضي (ابتدائي – استئناف – عليا) خلافًا لوقت نظر موضوع الدعوى.

ومن هنا نقول أن هذه الإجراءات أضحت لا تنسجم مع المبدأ الذي أرساه النظام الأساسي للدولة من التزام الدولة قدر المستطاع، بتقريب جهات القضاء من المتقاضين وسرعة الفصل في القضايا على النحو الوارد في المادة (25)، خصوصاً في ظل عدم وضوح نظام العنونة في السلطنة بشكل متكامل، ونعني هنا التزام الأفراد بتحديث عناوين السكن حال الانتقال، بالإضافة لعدم وجود نظام عنونة دقيقة في كل المحافظات.

ومن الأمور السلبية المترتبة على طول إجراءات التقاضي، قيام بعض الافراد والمؤسسات حال علمهم أو عدم علمهم بالدعاوى المرفوعة ضدهم لاستيفاء حقوق الغير قبلهم، بالتصرف في ممتلكاتهم بهدف منع التنفيذ عليها مستقبلًا أثناء مرحلة التقاضي، وكذلك قد يلجأ الأجانب لمغادرة أراضي السلطنة قبل انعقاد الخصومة ليزيد ذلك من صعوبة تنفيذ الأحكام وهو أمر آخر يحتاج لمعالجة تشريعية.

ولتجنب ما سبق من سلبيات؛ نقترح ما يسمى الإعلان القضائي الإلكتروني وهو يصلح لهذه الحقبة الزمنية نظرًا لأن جميع الافراد والمؤسسات يتعاملون على الأقل بنظام إلكتروني واحد للتواصل ومنها على سبيل المثال البريد الالكتروني ومنصات التواصل الاجتماعي وكذلك أنظمة الاتصالات المعتمدة لما فيها من توفير للجهد والوقت والتكلفة على المتقاضين وعلى الجهة المختصة بالتقاضي، كما أن هذا الأمر يتوافق مع توجه الدولة نحو التعامل الرقمي لما يشهده العالم من تطور الذي ينبغي أن ينعكس إيجابًا على إجراءات التقاضي جميعها وعلى الأخص الإعلانات القضائية.

ولكن كيف سيتم تفعيل ذلك ومن أين نبدأ:
1- نحتاج أولًا الى تعديل تشريعي في القوانين باعتماد العنوان الإلكتروني كوسيلة لعلم الشخص بالإجراءات القانونية والقضائية وغيرها حسب نوعية المعاملة محل الإعلان، مع ما يستتبعه ذلك من إعادة تقييم لكافة القوانين ذات الصلة، بحيث يحل العنوان الإلكتروني ووسيلة إيصاله محل النصوص ذات الصلة بمحل الإقامة كأحد وسائل إخطار أطراف النزاع.
2- إلزام كل شخص طبيعي أو اعتباري بأن يكون له عنوان إلكتروني في أنظمة جهات الاختصاص كالأحوال المدنية بشرطة عمان السلطانية أو أمانة السجل التجاري أو وزارة القوى العاملة أو غيرها من الجهات، بحيث يتاح فيه للجهات والأفراد من تقديم طلباتها أو رسائلها عن طريق هذه الوسيلة لما تحققه من علم الشخص اليقيني واختصار الجهد والوقت والفاعلية في التطبيق العملي.
3- قيام الجهات ذات العلاقة بتطبيق نظام العنونة الإلكترونية واعتماد الإعلان الإلكتروني في كافة المعاملات المتعلقة بالدعوى القضائية حال إقراره قانوناً، وعدم التركيز على نظام العنونة ووسائل الإعلان التقليدية.
4- عدم الاعتداد بعدم علم المدعى عليه بالدعوى إطلاقًا لإهماله في تحديث عنوانه الإلكتروني، حيث تتمتع الرسالة المرسلة عبر هذا النظام بقرينة العلم اليقيني بها.

ولا ينال مما سبق أن الكثير من الجهات والمؤسسات والأفراد يتواصلون في وقتنا الحالي عبر العنوان الإلكتروني للسهولة والسرعة، حيث أن الحديث هنا عن اعتماده كنظام مقنن وملزم للجميع وليس اختياريًا لمن يشاء.

ولهذا ندعو المشرع العُماني وهو يواصل إنجازاته نحو التحول الرقمي الأخذ بنظام الإعلان القضائي الإلكتروني؛ وذلك دون شك سوف يسهم في تعزيز الخطوات المتخذة في هذا الشأن، وسوف ينعكس على الكثير من الجوانب الاجتماعية والاقتصادية وغيرها؛ محققاً في ذلك المصلحة العامة.


فهد بن مالك الكندي
محام ومستشار قانوني
محاضر بكلية الزهراء للبنات







About شبكة روح القانون

Lorem ipsum dolor sit amet, consectetur adipiscing elit. Maecenas euismod diam at commodo sagittis. Nam id molestie velit. Nunc id nisl tristique, dapibus tellus quis, dictum metus. Pellentesque id imperdiet est.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

شبكة روح القانون العمانية هي منصة إعلامية تعنى بنشر الثقافة القانونية لدى أفراد المجتمع من أجل مجتمعٍ واعٍ يعي ما له وما عليه ونحو ثقافة قانونية للجميع.